الجمعة، 26 نوفمبر 2010

طبيعة العلم

                
                                      محاضرة بعنوان  طبيعة العلم
مقدمة :
تميز هذا العصر عما سبقه من عصور بالاعتماد الكبير على العلم المادي ونموه بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية , حتى أصبحت العلوم وفروعها تؤدي دورا رئيساً في تسيير الحياة اليومية لبني البشر , وأضحى تقدم الدول يقاس بقدر ما تمتلكه من طاقات علمية وصناعية ولذلك صنفت الدول إلى دول صناعية " متقدمة " ودول بدأ يدب فيها التقدم العلمي " نامية " ودول فقيرة " متخلفة " لاحظ لها في العلم المعاصر .
   وبناء على هذا التطور وهذه النظرة كان لزاماً على القائمين على التربية والتعليم تخصيص جزء كبير من التعليم للتربية العلمية بغرض إعداد أجيال يعتمد عليها بعد الله في استرداد ارث الأجداد من العلم والتقنية .
 هذه التربية العلمية يجب أن تكون مؤصلة تأصيلاً حقيقياً من منطلق الفهم الصحيح للعلم بفرعية النقلي "الشرعي " والعقلي "المادي " .
   قد يقول قائل – معلما أو مربياً – إنني لا ادرس مفهوم العلم بل ادرس العلوم نفسها فما الفائدة من دراسة مفهوم العلم ؟
في الحقيقة أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين مفهوم العلم وتدريس العلوم , ذلك أن معلم العلوم شاء أم أبى – يتأثر في تدريسه للعلوم بما يحمله من مفهوم للعلم . وان ذلك المعلم الذي يرى أن العلوم حقائق ثابتة غير قابلة للجدل ولا للتغيير تجده يصر على أن يتم تدريسها بطريقة تتسم بالحفظ والاستظهار , مع الحرص على " صب " أكبر كم من المعلومات في ذهن المتعلم ؛أما ذلك المعلم الذي ينظر إلى العلوم كطريقة في البحث والتنقيب فانه يدرسها بطريقة تفتح آفاق المتعلم إلى البحث والاستقصاء مع عدم التركيز على كم المعلومات . أما المعلم الذي لا يرى ارتباطاً بين العلوم المادية الحديثة والعلوم النقلية فانه يدرس العلوم بمنأى عن أية رؤى إسلامية أو ارتباط ديني , ويرى أن تدريس العلوم يجب أن يقتصر على ما أثبتته تجارب الإنسان من العلوم الحديثة وهكذا فان مدركات المعلم ومفاهيمه تؤثر قطعاً بما يقدمه للمتعلمين وما يبثه لهم خلال فترات زمنية طويلة يمكثها بينهم معلماً وموجهاً .
ما معنى العلم ؟
العلم في اللغة: يعني المعرفة , يقول ابن منظور في تعريفه للعلم : العلم نقيض الجهل ,عًلِم علماً وعًلُم هو نفسه . ورجل عالم وعليم من قوم علماء فيهم جميعا ً.
أما في المعنى الاصطلاحي : فان في الأصل في العلم هو العلم الشرعي . يقول ابن حجر في شرحه لكتاب العلم من صحيح البخاري :" المراد بالعلم هنا العلم الشرعي الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلف من أمر دينه في عباداته ومعاملاته والعلم بالله وصفاته , وما يجب له القيام بأمره ,وتنزيهه عن النقائض ومدار ذلك على التفسير والحديث والفقه "
نظرات العلم :
السؤال الذي يطرح نفسه :ما واقع مفهوم الناس عن العلم ؟
للإجابة عن هذا السؤال ,يجب أن يعلم أن هناك فريقين متناقضين عرفا العلم .
الفريق الأول : عرف العلم انه العلم الشرعي وما سواه ليس بعلم وفي ذلك يقول الإمام الشافعي رحمه الله :
كل العلوم سوى القران مشغلة              إلا الحديث وعلم الفقه بالدين
 العلم ما كان فيه قال حدثنا             وما سوى ذلك وسواس الشياطين
الفريق الثاني :
عرف العلم بأنه كل ما يخضع للملاحظة والتجريب أو هو الذي يخضع لخطوات البحث العلمي وهي : الإحساس بالمشكلة وتحديدها , وفرض الفروض , واختبار الفروض , ومن ثم التوصل إلى حل المشكلة , ومالا يخضع للملاحظة والتجريب فليس بعلم .
ويتمثل التعريف الثاني بآراء جمهور من المربيين الغربيين ومنهم :
كروثر Krother  وهكسلي Hexely اللذين عرفا العلم بأنه نظام يسيطر به الإنسان على الطبيعة , ولعل ما يقصدانه بالنظام هو استخدام المنهج العلمي في استقصاء الظواهر والبحث عن أسبابها "
أما كوليت  Kollette فيرى أن العلم مجموعة لانهائية من الملاحظات العملية والتي يمكن أن تخضع للتعديل المستمر في ضوء ما يستجد من ملاحظات , والعلم ليس البناء المعرفي فقط ولكنه أيضاً يتضمن طريقة الحصول على المعرفة وتغييرها .
ويرى كونانت Conent أن العلم سلسلة من المفاهيم والتصورات المفاهيمية , والتي تتكون نتيجة لحدثين هما الملاحظة والتجريب "
تأملي تعريفي " كوليت " و"كونانت " على ماذا يؤكدان ؟ وعلى ماذا يتفقان ؟ 
لعل نظرة متأملة إلى تعريفي " كوليت " و"كونانت " تظهر أن كلا منهما أكد على دور الملاحظة والتجريب في بناء الهيكل المعرفي للعلم , كما أنهما اتفقا على إبراز الطبيعة الديناميكية له .
  ويؤكد جيفونز Jevons على هذا الأمر بقوله " أن العلم عملية ديناميكية تتصف بالتراكمية والانتشار , والعمل العلمي الجيد لا ينتهي حتما إلى حقائق مطلقة ,بل ربما يفجر مشكلات جديدة "
 ويحدد بلاو وسشوارتن Blough and Schwartz مفهوم العلم تحديدا جيداً في قولهما " أن العلم يبدأ بمشكلة محيرة , ومن ثم يمضي العالم في محاولات لحلها وقد يتوصل إلى الحل ويظهر الكشف الجديد , وقد تكون مجرد محاولات تثير مزيداً من الأسئلة المحيرة , هذه المحاولات المتكررة هي الطريق إلى نمو المعرفة العلمية .ولذلك يمكن القول بان للعلم بعدين :
1- البعد الأول وهو طرق الاستقصاء أو الاستكشاف أو البحث العلمي .
2- البعد الثاني هو الجسد العضوي للمعرفة العلمية التي يتم اكتشافها من خلال عمليات البحث والاستقصاء .
من العرض السابق يمكن القول بأن مفهوم العلم لدى الفريق الثاني  قد تطور على مر العصور وضحي ذلك ؟
عرف العلم بأنه المعرفة أو المعلومات في العصور الوسطى . وتطور هذا المفهوم عن طريق دراسة الأسلوب والعمليات التي تؤدي إلى التوصل إلى هذه المعرفة , ومن ثم عرف العلم بأنه العملية الديناميكية التي تهدف إلى استقصاء وبحث الظواهر وحل المشكلات الطبيعية والإنسانية والإجابة عن الأسئلة الغامضة , وذلك وفق أسلوب بحثي محدد يعرف بالأسلوب العلمي . وقد تؤدي تلك العمليات الديناميكية الاستقصائية إلى توليد المزيد من المشكلات وأيا كان الأمر فالعلم بأسلوبه قادر على إيجاد الحلول لتلك المشكلات في حدود طبيعة المشكلة وإمكانيات منهج البحث وأدواته .
 من خلال العرض السابق استخلصي بعض التعاريف العامة لمعنى العلم لدى الفريق الثاني ؟
1- العلم هو السبيل لحل المشكلات .
2- العلم هو البحث عن المعرفة .
3- العلم مجموعة حقائق تم التوصل إليها بعد التجريب .
4- العلم مفتاح البحث العلمي .
5- العلم هو تكامل بين المعرفة وطريقة التفكير والبحث العلمي .
على الرغم من أن مفهوم العلم مثار اختلاف بين العلماء (الفريق الثاني )  إلا انه يستنتج من مراجعة الأدب التربوي في تدريس العلوم أن هناك ثلاثة جوانب أساسية في تحديد مفهوم العلم ما هي ؟
الجوانب الثلاثة في تحديد مفهوم العلم هي :
أولا  : العلم :بناء معرفي Knowledge
العلم جسم منظم من المعرفة العلمية ,يتضمن :الحقائق ,المفاهيم ,المبادئ ,والقواعد والقوانين , والنظريات العلمية التي تساعدنا في تفسير الظواهر الطبيعية والكونية وفهم الوجود .
 قد يترتب على هذه النظرة التقليدية للعلم نتائج (سلبية ) قد تنعكس على طبيعة العلم وتدريس العلوم  ,وضحي ذلك ؟
1- تصبح المعرفة العلمية مطلقة في صحتها وبالتالي غير قابلة للتعديل أو (التغيير ) لكنها تنمو بالإضافة . 
2- تصبح مهمة معلم العلوم نقل المادة العلمية وتلقينها للطلبة دون مناقشة فكرية , وبالتالي تصبح طريقة المحاضرة (الإلقاء والتلقين ) هي الطريقة الشائعة في تلقين المادة العلمية وتدريس العلوم , مما يعني إهمال دور المتعلم (الطالب ) وسلبيته وجمود عقله , وتعطيل تفكيره في العملية التعليمية
3- تقتصر أساليب التقويم على قياس (كمية المعلومات ) التي يحفظها الطالب أو يستطيع استظهارها , وبالتالي تستجر العمليات العقلية الدنيا , وتهمل العمليات العقلية العليا في تفكير الطالب وتعلمه وفقا لتصنيفات بلوم Bloom للأهداف التربوية في المجال المعرفي (العقلي ) .
4- تبنى مناهج العلوم على مفهوم (معرفي ) ضيق للمنهج , وذلك من خلال توكيدها على المادة الدراسية (المحتوى المعرفي ) باعتبارها ثمرة ناضجة لجهود العلماء والإنسانية وبالتالي إهمال العناصر الأساسية الأخرى في بناء مناهج العلوم .
ثانيا : العلم : طريقة (منهج ) في البحث والتفكير Process(Method)
العلم طريقة منظمة في البحث والتقصي والاكتشاف . والمعرفة العلمية نسيج متكامل من المفاهيم والمبادئ العلمية يكونها الباحث (العالم ) في ضوء ملاحظاته المنظمة ,وتجاربه العلمية المضبوطة لفهم الظواهر الطبيعية أو البيولوجية التي يسعى لاكتشافها وتطويرها في ظل منهجية بحثية واضحة في التفكير والتطبيق . فالباحث يحدد المشكلة , ويجمع المعلومات , ويفرض الفرضيات ويختبرها , ويتوصل إلى النتائج . وعليه اعتبرت (الطريقة ) معياراً أساسياً في تحديد مدى علمية المعرفة (الإنسانية ) المكتشفة
ثالثا : العلم مادة وطريقة Knowledge and process
  يؤكد هذا التعريف على شقي العلم : المادة والطريقة . فالعلم تكامل بين المادة (المعرفة العلمية ) والطريقة (المنهج العلمي ) . وينطلق هذا التعريف من مبدأ أهمية المعرفة لتقدم العلوم وبناء المعرفة العلمية التراكمية , وكذلك من أهمية (الطريقة ) في الوصول إلى تلك المعرفة . فالعلم له شقان أو وجهان متلازمان هما (المادة والطريقة ) لا يمكن لأحدهما أن ينمو أو يترعرع بمعزل عن الآخر . وعليه كتطبيق تربوي في تدريس العلوم , ينبغي على معلم العلوم إبراز الصورة العقلية للعلم الذي يدرسه بمادته وطريقته سواء في أساليب تدريسه أم في وسائل قياسه وتقويمه لتعلم الطلبة .
   وبناء على ما سبق فان  تعريف الفريق الثاني خطير يخرج الوحي من قرآن والحديث والسنة عموماً من العلم ؛إذ هم بذلك يريدون نسف القرآن والعلوم النقلية والمعجزات الإلهية , ويحصرون العلم في العلم الذي اكتشفه الإنسان , واغتر بما أوتي كما اغتر الشيطان بما أوتي من علم وافتخر على بني آدم بذلك وعصى ربه ,فجره ذلك إلى الخروج من رحمة الله ابد الآبدين
والحق أن الطفل الصغير الذي يعلم أساسيات أمور دينه ويفهم بعضاً من العلوم الشرعية النقلية اعلم من العالم بالعلوم العقلية فقط ؛لأن الجهل في الأمور الدينية بحد ذاته يعتبر جهلاً كبيراً , ويكفي صاحبه جهالة أن لا يعلم مصيره بعد الموت ! الم يقل الله تعالى في حقهم " وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)سورة الروم   
 وعلى وجه العموم فإن ما وافق القران والسنة من العلوم العقلية فهو صحيح وما عارضها فهو باطل مردود على صاحبه .
والخلاصة أن العلم عبارة عن جميع العلوم النقلية التي وصلت للبشر إضافة إلى ما ثبت من العلوم البشرية العقلية .
تطور العلم :
ما هي مراحل تطور العلم ؟
يمر العلم باعتباره نشاطاً إنسانياً ,بثلاث مراحل هي :
الأولى : مرحلة الملاحظة : Observation Stage
يبدأ العلم بمرحلة الملاحظة  المنظمة للظواهر الطبيعية والإحيائية التي يراد دراستها وبحثها ولهذا اعتبر علم الفلك أول العلوم التي عرفها الإنسان مقابل ذلك اعتبر علم البكتريا والفيروسات من العلوم المتأخرة التي عرفها أو صنفها الإنسان ويرجع ذلك إلى كون البكتريا (والفيروسات) كائنات حيه متناهية في الصغر والدقة لدرجه استحالة ملاحظتها في العين المجردة وصعوبة رؤيتها حتى في المجاهر العادية.
الثانية :مرحله التصنيف clalification stage
يتقدم العلم بعد مرحله الملاحظة نحو مرحله التصنيف وعليه صنف علم الفلك إلى :النجوم والكواكب والأقمار ، والتصنيف مفهوم مهم في العلم المعاصر من حيث انه يسهل دراسة الموضوع العلمي واستيعابه وتوثيقه . كما يساعد على زيادة كمية المعرفة العلمية التي يستطيع المتعلم استرجاعها بغض النظر عن مدى معرفته للتفاصيل . فمعرفة الصفات المميزة للحشرات مثلا ,تؤدي بتطبيق هذه الصفات إلى معرفة الصفات المميزة للحشرات جميعها , ومعرفة الصفات المميزة للثدييات ,تؤدي إلى معرفة صفات الثدييات جميعها .....وهكذا .
الثالثة :مرحلة التجريب Experimental Stage
لابد للعلم أن يجتاز هذه المرحلة (التجريب) حتى يصبح علماً دراسياً (تجريبياً ) بمعنى الكلمة . لكن هذا لا يعني أن مرحلتي :الملاحظة والتصنيف تتوقفان ,بل على العكس فان المراحل الثلاث في تطور العلم هي مراحل متصلة ومستمرة لدرجة انه يصعب وضع حد فاصل بينها نظراً لتفجر المعرفة العلمية وتسارعها .فعلم الأحياء ,مثلا ,بدا في مرحلة الملاحظة ,أي ملاحظة الكائنات الحية على اختلاف أنواعها وأحجامها وأشكالها وبيئاتها , ونظراً لكثرة هذه الكائنات الحية وتعدد أنواعها ,تقدم العلم نحو مرحلة التصنيف ,أي وضع الكائنات الحية في مجموعات تصنيفية معينة وفقاً لسلم التصنيف (مملكة ,قبيلة ,صف ,رتبة ,عائلة ,جنس ,نوع ) وطبقاً لصفات عامة مشتركة ومعايير بيولوجيه معينة بين أفراد كل مجموعة ,ومن ثم كل مجموعة رئيسية صنفت إلى مجموعات اصغر وهكذا . وأخيرا تقدم علم الأحياء إلى مرحلة التجريب وأصبح علماً تجريبياً فيه المعرفة (البيولوجية ) العلمية نتاج عملية البحث والتقصي والتجريب العلمي .
أهداف العلم :
ما هي أهداف العلم ؟
يهدف العلم إلى تحقيق الأغراض التالية :
1-الوصف والتفسير Description and Interpretation
يهدف العلم مبدئيا إلى وصف الظواهر الطبيعية أو البيولوجية المحيطة بالإنسان . إلا أن مجرد وصف الظاهرة ,مهما كان رائعاً أو دقيقاً ,فانه لا يؤدي إلى فهم ما نقصده بالظاهرة أو معرفة أسباب حدوثها أو كيفية حدوثها والعوامل المؤثرة فيها .
مثال : تمدد الأجسام (المعادن مثلاً )بفعل التسخين يعتبر في جوهره وصفاً يبين لنا ماذا يحدث للمعادن إذا سخنت ,ولكنه لا يفسر لنا كيف تتمدد المعادن ؟ ولهذا يفسر تمدد المعادن بالحرارة (التسخين ) ,إذ أن الحرارة تثير جزيئات المادة وتسبب زيادة ملحوظة في حركة جزيئات المادة وبالتالي كلما زادت حركة جزيئات المادة تتدافع الجزيئات بعيدا عن بعضها وتأخذ حيزاً (حجماً) اكبر .
2-التنبؤ : prediction
التنبؤ يعتمد على الوصف والتفسير على أساسه , ومن هنا فان اكتشاف العلاقة بين الحرارة وتمدد المعادن ,تساعدنا في التنبؤ بان قضبان السكك الحديدية أو أسلاك التلفون .سوف تتمدد وتتقوس إذا سار عليها القطار ولم تكن هناك فراغات بين أجزاء السكة الحديدية .
3-الضبط والتحكم Control
التفسير والتنبؤ يخدمان الهدف النهائي للعلم وهو : الضبط والتحكم .
هل تعرفين الآن لماذا تترك فراغات بين أجزاء السكك الحديدية ؟
إن قدرة الإنسان على ضبط الظاهرة والتحكم بها يزداد كلما زادت قدرته على تفسيرها والتنبؤ بها وعليه ,فان الفرد الذي يفهم أن ظاهرة الاحتراق لا تحدث إلا بوجود الأكسجين ,بعد وصول المادة القابلة للاحتراق درجة حرارة احتراقها ,فانه يستطيع أن يتحكم بأثر الأكسجين في ظاهرة الاحتراق وذلك عن طريق إما توفير الأكسجين لزيادة الاحتراق (إذا تطلب الأمر ذلك ) ,أو منعه لتجنب الاحتراق وإطفائه كما يحدث في عمليات ضبط الحرائق وإطفائها . وكذلك (الباحث) الذي يفهم أن ظاهرة تمدد قضبان السكك الحديدية ناتجة عن ارتفاع درجة الحرارة (التسخين ) فانه عندئذ يستطيع أن يضبط أو يتحكم بأثر درجة الحرارة في تمدد القضبان الحديدية وذلك من خلال ترك مسافات (فراغات )مناسبة مدروسة بين أجزاء السكك الحديدية تجنباً لتقوسها (وبالتالي منع الحوادث )عند ارتفاع درجة الحرارة صيفاً .
ما هي خصائص العلم ؟
يذكر الأدب العلمي مجموعة من الخصائص والمميزات التي يتصف بها العلم والمعرفة العلمية منها :
أولا :حقائق العلم قابلة للتعديل والتغيير .
الحقيقة العلمية هي نتاج علمي مجزأ (خاص) لا يتضمن التعميم ؛وتنتج (الحقيقة العلمية )من الملاحظة المباشرة (أو غير المباشرة ) أو القياس أو التجريب :
ولما كانت الحقائق العلمية هي من صنع الإنسان (الباحث) الذي يخطئ ويصيب لذا فإنها معرضه للخطأ والصواب وبالتالي في عرضه للتعديل والتغير وعليه فإن الحقائق العلمية حقائق نسبيه غير مطلقه تتسم بالتعديل المستمر وفقاً لتطور وسائل البحث وأدواته وما تكشفه الدراسات والبحوث العلمية في ظل تقدم المعرفة والأجهزة العلمية المكتشفة وهذه الخاصية الديناميه للعلم ينبغي أن يدركها معلمو العلوم وبالتالي يجب أن تنعكس على سلوكهم التعليمي وممارساتهم التدريسية في تدريس العلوم .
ثانياً:العلم يصحح نفسه بنفسه .
تجدد المعرفة العلمية نفسها وتنمو وتتطور باستمرار وفي تاريخ العلوم شواهد كثيرة منها على سبيل المثال ماطرأ على مفهوم الخلية وعضياتها ووظائفها وذلك من خلال النتائج الدراسات والبحوث التي أجراها الباحثون في هذا المجال ويمكن قول الشيء نفسه عن الوراثة والمادة الوراثية (DNA) وتركيبها ... إذ طرأ عليها تصحيحات وتغيرات كثيرة كلما توافرت الأدلة والبراهين العلمية الجديدة وهكذا حدث الشيء نفسه على الموضوعات العلمية الأخرى كالذرة وبنائها والحركة الجزيئية للغازات والكون ونظامه ... وكتطبيق تربوي في تدريس العلوم يمكن لمعلمي العلوم مساعده الطلبة في تنميه عاده المطالعة العلمية ومواكبه التطور والتغير في حقائق العلم ومفاهيمه وأفكاره وكذلك تصحيح المعلومات العلمية الخاطئة التي قد توجد في الكتاب المدرسي وبيان نسبه المعلومات العلمية وإمكانية تعديلها وذلك انطلاقاً من مبدأ أن المعرفة العلمية على اختلاف أشكالها قابله للتصحيح والمراجعة والتعديل في ضوء الأدوات والتقنيات والاكتشافات العلمية الجديدة .
ثالثا:العلم يتصف بالشمولية والتعميم  
على الرغم أن مندل مؤسس علم الوراثة بدأ بحوثه وتجاربه على نبات البازلاء إلا أن نتائج بحوثه وقوانينه بوجه عام عممت وأصبحت ذات طابع اعم تشمل الكائنات الحية جميعها كما اعتبرت وعممت آلية التوريث واحدة من حيث المبدأ ,وشامله للكائنات الحية بما فيها الإنسان وهكذا يمكن القول بالنسبة للجاذبية الأرضية التي عممت لتشمل الأجسام الساقطة جميعها لا جسماً واحداً بعينه أو مجموعه معينه من الأجسام وكذلك قوانين الغازات وقاعدة ارخميدس تشمل الأجسام المغمورة والطافية جميعها وهكذا تتحول نتائج البحوث والدراسات العلمية الجزئية (أو الفردية الخاصة) إلى معرفه علميه عامه لها صفه الشمول والتعميم .
رابعا:العلم تراكمي البناء
إذا أراد (الباحث) دراسة مشكله علميه ما فإنه بالطبع لا يبدأ من الصفر بل يبدأ بحثه من حيث انتهى الباحثون الذين سبقوه ولهذا يرجع الباحث إلى الدراسات السابقة وأدبيات البحث للاستفاده من بحوث العلماء الذين سبقوه في دراسة جوانب مختلفة من المشكلة المبحوثة ولهذا لا عجب أن ينقل عن نيوتن بأنه ((يقف على أكتاف العلماء الذين سبقوه)) وهذا يعني أن العلم معرفه تراكمية البناء تنمو عامودياً (وأفقياً لبحث مشكلات وظواهر علميه أخرى ) وتحل المعرفة العلمية الجديدة بناء على الأدلة والبراهين العلمية محل القديمة ويترتب على ذلك في تدريس العلوم على أن هناك معرفه علميه (مفاهيم وقوانين ...) سابقه أو ضرورية لتعلم معرفه علميه جديدة أو لاحقه .
خامسا:العلم نشاط إنساني عالمي
المعرفة العلمية هي نتاج البحث العلمي والتفكير (العلمي )الانساني وهي نتاج انساني لا تخص الإنسان وحده ، وليست موضوعاً فرديا ولا شخصياً أو ملكاً لأحد . وهكذا تصبح المعرفة العلمية بمجرد ظهورها (نشرها) ملكاً للجميع تتجاوز الحدود الجغرافية أو السياسية
فقاعدة ارخميدس ليست ملكاً شخصياً له وكذلك قوانين نيوتن في الحركة . وكتطبيق تربوي في تدريس العلوم ينبغي على معلمي العلوم مساعدة الطلبة في تقدير جهود العلماء السابقين منهم أو المعاصرين ، الذين أسهموا (أو يسهمون) في تقدم العلم والمعرفة العلمية
سادسا : العلم يتصف بالدقة والتجريد
يمتاز العلم بموضوعيته ودقته فالباحث (العلمي ) يسعى إلى تحديد المشكلة أولاً ثم يحدد أسئلته التي يحاول الإجابة عنها بكلام دقيق وموضوعي مجرد ؛ثم يجمع معلوماته من خلال أدوات بحثيه صادقه ويحلل معلوماته ويتوصل إلى نتائج بعيداً عن الهوى والذاتية وعليه لا يكتفي العلم بأن نقول أن درجه الحرارة اليوم مرتفعه أو منخفض هو أن درجه حرارة الماء عاليه أو منخفضة بل لابد من قياس ذلك بدقه وتجريد وموضوعيه ومن هنا فانه ينبغي على معلم العلوم مساعده الطلبة لاكتساب اتجاهات علميه ايجابيه كالموضوعية والدقة والتأني في إصدار الأحكام.
سابعا:العلم له أدواته الخاصة به :
الأداة هي الوسيلة التي يستخدمها الفرد (الباحث ) لجمع المعلومات أو قياسها .فلكي نعبر عن درجة حرارة الماء بدقة ,لابد من وجود أداة (مقياس ) نقيس به درجة الحرارة ,فلا نكتفي –كما هو شائع – بان نقيس درجة حرارة الماء باليد أو نقيس درجة حرارة الإنسان (المريض ) بوضع اليد على جبهته ...فعلى الرغم أن هذا العمل يعطي مؤشراً أولياً عن درجة الحرارة إلا أننا لا نستطيع الاعتماد عليه علميا .ولهذا نلجأ إلى مقاييس خاصة ,تقيس درجة الحرارة بدقة وموضوعية . من هنا تلعب الأدوات (المقاييس ) دوراً  أساسياً في جمع المعلومات العلمية ونتاج المعرفة العلمية .وكتطبيق تربوي في تدريس العلوم ينبغي على معلم العلوم مساعدة الطلبة على تنمية المهارات اليدوية لديهم من خلال إتاحة الفرص لهم لاستخدام أدوات القياس والأجهزة العلمية ذات العلاقة بالمادة العلمية والمحافظة عليها سواء بسواء .
ثامنا : العلم مدقق .
عرفنا أن الباحث يتبع سلسلة منظمة من الإجراءات البحثية في بحوثه ودراساته فيها يحدد المشكلة ويجمع البيانات أو المعلومات المتعلقة بها ويضع الفروض ويضبط تجربته إلى أقصى درجة ممكنه ثم يختبر فروضه ويتوصل إلى النتائج . وللتأكد من نتائج دراسته ودقة استنتاجاته يكرر الباحث التجربة ويعيد إجرائها مرة ثانية وثالثة ...حتى إذا ما اطمئن إلى نتائج بحثه حاول عندئذ نشر نتائج الدراسة حسب الأصول العلمية المتعارف عليها في الدوريات والمجلات العلمية وبعد نشر البحث يستطيع أي فرد (أو باحث ) قراءة البحث وتدقيقه أو الاعتراض على طريقته أو منهجيته أو نتائجه أو إعادة التجربة تحت الظروف نفسها للتأكد من صحة النتائج ودقة الاستنتاجات وهكذا نجد المعرفة العلمية مدققة  ومجربة مرات ومرات قبل أن تأخذ موقعها في بناء العلم .وفي تدريس العلوم يترتب على معلم العلوم تعويد الطلبة على دقة الملاحظة والقياسات العلمية وجمع المعلومات وتقريرها بدقة وموضوعية وكذلك مناقشة النتائج التي يتوصلون إليها مع نتائج زملائهم ومقارنتها بعضها ببعض لتدريبهم على نقد التجارب العلمية وبيان الأخطاء المحتملة سواء في النتائج أم في التصميمات التجريبية التي قد تنشأ عن بعض المتغيرات غير المضبوطة أو الناتجة عن قصور الأدوات أو الأجهزة المستخدمة أو العوامل الإنسانية .
تاسعا : العلم يؤثر في المجتمع ويتأثر به
العلم وثيق الصلة بالمجتمع يؤثر فيه ويتأثر به في المجتمع يتطور بتأثير العلم وتقنياته كما أن العلم ينمو ويترعرع بتأثير الظروف والاتجاهات السائدة في المجتمع بمعنى أن هناك تبادلاً بين العلم والمجتمع وينبع اثر العلم في حياة المجتمع من ثلاثة مصادر هي :
1-اعتماد الأسلوب العلمي في التفكير والبحث وهذا يتطلب تربية معلمي العلوم (وطلبتهم ) على الأسلوب العلمي بحيث يتلاءم مع خصائص العصر ومتطلباته .
2-للعلم قيمة خلقية ودولية ,وتنتج القيمة الخلقية عن الأسلوب (المنهج ) العلمي الذي يفرض على الباحث خصائص معينة وفضائل اجتماعية تقتضيها سلامة المجتمع وتقدمه . فالعالم إنسان ينهمك في البحث بأخلاقيات معينة يتميز بالصدق والصبر والأمانة والتعاون والموضوعية ....والاعتراف بفضل غيره وعدم التسرع في إصدار الأحكام أو النتائج قبل التثبت منها بإعادة التجربة ونشر نتائجها في الدوريات العلمية المتخصصة أما القيمة الدولية أو الإنسانية فتتمثل باعتبار العلم نشاطاً إنسانياً (عالمياً) ساهمت في بناء صرحه الأمم والحضارات جميعها ,متخطيا بذلك الحدود الجغرافية أو السياسية وأصبح نشر النتاج العلمي في الدوريات العلمية المتخصصة شرطاً أساسياً لاعتراف بالباحث (العالم ) ونتاجه .
3-الانتفاع بالفوائد التطبيقية التكنولوجية للعلم , وتتمثل هذه التطبيقات التي يصعب حصرها في ميادين متعددة : الطب ,الصيدلة ,الزراعة ,الغذاء ,الصناعة ,الاتصالات ,الطاقة ,الحاسبات الالكترونية ,الهندسة الوراثية ......الخ
أهمية العلم في الحياة المعاصرة :
أهمية العلم في حياتنا المعاصرة لا تحصى ولا تعد فنحن ندركها في كل جانب من حياتنا , في المأكل والمشرب والملبس ,في الشارع والبيت , في العمل وأوقات الفراغ ,ويمكن تلخيص القليل من فوائد العلم في حياتنا المعاصرة في النقاط التالية :
1 – استطاع العلماء القضاء على الكثير من الإمراض التي كانت تهلك ألوف البشر ؛بفضل اكتشاف أسباب الأمراض وطرق الوقاية والعلاج :ومن ثم قلت نسبه الوفيات وطالت متوسطات أعمار الإنسان ولازال العلماء يكافحون للحد من القضاء على أمراض السرطان،الايدز ......
2-وفر العلم الوقت والمجهود فاستخدام الغسالة الأوتوماتيكية المكانس الكهربائية وغسالة الأطباق الكهربائية وثورة الميكنة الزراعية في الحرث الزرع والحصاد وغيرها ،وفرت وقت ومجهود الناس لاستغلاله في التسلية أو الابتكار وغيرها
3- ساعد العلم في معرفه الناس بالطرق المثلى للاستهلاك ،فمعرفه الفرد بالسعرات الحرارية واحتياج الجسم منها،يمكن الفرد من تناول كميات تناسبه من النشويات، وهكذا بالنسبة لبقية المواد الغذائية، مما يساعد افرد على إتباع نمط استهلاكي امثل ،والمحافظة على المواد الخام والبيئة من التلوث .
4- يساعد العلم في المحافظة على الموارد الطبيعية من خلال معرفتنا عن الطاقة وأنواعها ومصادرها، وان منها يستنفذ مع الوقت ؛مما يعطي وعي لدينا بالمحافظة على مواردنا وترشيد استهلاكها .
5- يساعد العلم على الاستمتاع بوقت فراغنا من خلال مشاهده التلفزيون للبرامج الترفيهية والغرائب والعجائب العلمية في الماء وعلى اليابس ،وغيرها من وسائل التسلية وأنت نائم في المنزل ، والاستمتاع بكل ما ينشر في العالم من خلال وسائل الانترنت والأقمار الصناعية.
6- يجعل العلم حياتنا مريحة داخل المنزل من خلال استخدام وسائل التدفئة في الشتاء ،المكيفات في الصيف ومن خلال استخدام الأجهزة الأوتوماتيكية مثل موقد الطهي الأوتوماتيكي وغيرها .
7- العلم دعامة من دعامات الإنتاج وحجر الزاوية في تطوير قطاعات الزراعة والصناعة والمواصلات والتعدين  والكشف عن البترول واستخراجه وتكريره وتصنيعه ،وتوليد القوى المحركة مثل الكهرباء
8- سهل العلم الاتصال والتنقل بين الأماكن المختلفة في العالم ،فبواسطة وسائل المواصلات الحديثة  تستطيع أن تصل في ساعات محدودة إلى أي مكان في العالم تريده ، مما لو قطعت المسافة على قدميك أو الدواب كما تستطيع أن تتحدث بالتلفون والجوال ،أو من خلال برامج التحدث بالانترنت مع أي فرد في العالم وفي أي مكان على الكره الأرضية أو على الكواكب الأخرى .
9- اثر العلم في تطوير التعليم فمدارسنا اليوم تختلف عن سابقتها من حيث المباني والأثاث والوسائل التعليمية المستخدمة ،والتي تتضمن استخدام تقنيات التعليم الحديثة من أجهزة فديو وكمبيوترات وغيرها كتطبيق للمعرفة العلمية في تطوير العملية العلمية .
10-        غير طرق العلم تفكير الناس فبعد أن كانوا يخافون أشياء كثيرة مثل:الشهب والكسوف والخسوف والبرق والعواصف ويعتبرونها أرواح شريرة تغيرت طرق تفكيرهم وأصبحوا يعرفون السبب والمبررات العلمية لحدوث تلك الظواهر.
11-        وفر العلم الإنتاج بأقل طاقه مستهلكه بتقدم البحوث العلمية في مجال الصناعة ،واختراع الآلات الحديثة التي تعطي طاقه إنتاجيه عاليه بأقل طاقه مستهلكه .
12-        اكتشاف الميكروبات النافعة واستغلالها في الصناعة مثل: صناعه المضادات الحيوية والفيتامينات وغيرها ، واكتشاف الميكروبات الضارة وكيفيه الوقاية منها وعلاجها.
13-        اكتشاف الفضاء ومنطقه انعدام الوزن ،ومن ثم زرع الأقمار الصناعية فيها ،واستخدامها في الرصد واكتشاف الكنوز الموجودة في باطن الأرض، واستخدام هذه الأقمار في الاتصالات بين دول العالم المختلفة لدرجه ما يعرف الآن بالقرية الصغيرة .
14-        معرفه الشفرة الوراثية للكائنات الحية واستخدام الهندسة الوراثية في تحسين الإنتاج النباتي والحيواني ،وتفادي وعلاج الكثير من الأمراض .
15-        التغلب على مشكله نقص المياه اللازمة لري ،باستخدام أساليب الري بالتنقيط ،والرش ،والتوصل لسلالات نباتيه تستطيع تحمل العطش والتسامح مع درجات متنوعة من الملوح هاو درجه الحرارة  .
ويكفي أن العلم يزيدنا معرفه وقربا من الله ، وخوف وخشيه منه قال تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} .