الجمعة، 26 نوفمبر 2010

البناء الهرمي للمعرفة

                       محاضرة بعنوان : البناء الهرمي للمعرفة العلمية
                                                           
مقدمة :
على الرغم من أهمية أسلوب العلم وعملياته إلا انه لا يمكن إنكار ما للمعرفة العلمية من أهمية في حياتنا اليومية بصفة عامة وفي توجيه الباحثين لاكتشاف المزيد من المعارف بصفة خاصة .
والمعرفة التي نقدمها للتلاميذ في دروس أو كتب العلوم يجب أن تكون معرفة علمية وظيفية بمعنى أنها ذات أهمية في حياة التلميذ فالمعلومات التي يشعر التلميذ بأنها ليست ذات قيمة أو أهمية في حياته سرعان ما ينساها بينما تكون المعلومات المتعلقة بحياة التلميذ وبيئته ومجتمعه أكثر بقاء في ذاكرته لأنه يشعر بفائدتها وبأهميتها في الممارسات اليومية .
وتصنف أشكال المعرفة العلمية إلى الأنواع والأشكال المعرفية التالية :
 أولا : الحقائق والبيانات العلمية .
تعرف الحقيقة العلمية بأنها نتاج علمي مجزأ وخاص لا يتضمن التعميم ؛وغير قابلة للنقاش والجدل في وقتها ؛إلا أنها بالطبع قابلة للتعديل في ضوء الأدلة والبراهين العلمية الجديدة ,ويمكن تكرار ملاحظتها أو قياسها وبالتالي التأكد من صحتها عن طريق الملاحظة أو القياس أو التجريب العلمي.
ويمكن توضيح التعريف السابق من خلال الأمثلة التالية :
تعرف الحقيقة العلمية بأنها نتاج علمي مجزأ (مثال : الأكسجين يساعد على الاشتعال ) . وخاص لا يتضمن التعميم ( مثال : النحاس فلز جيد التوصل للحرارة ) وغير قابلة للنقاش والجدل في وقتها  (مثال : قلب الإنسان مكون من أربع حجرات ) .
أمثلة على الحقائق العلمية :
·       الماء يتبخر بالحرارة
·       يتكون جسم سمكة البلطي من رأس وجذع وذيل
·       تجذب المسطرة البلاستيكية المدلوكة في قطعة من الحرير قصاصات الورق .
·       يحتوي دم الإنسان على نوعين من الكرات حمراء وبيضاء .
·       تعرق الورقة في ذوات الفلقة الواحدة متواز
·       غاز الأكسجين يساعد على الاشتعال ولا يشتعل
·       تم اكتشاف طبيعة الجين عام 1953
·       للضوء طاقة
·       تحافظ المواد الجامدة على حجمها
·       يحتاج الاحتراق للأكسجين
·       يتفاعل حامض الهيدروكلوريك مع الماغنسيوم ويتصاعد غاز الهيدروجين .
·       الزهرة اقرب الأجرام السماوية إلى الأرض
·       يضخ القلب الدم لسائر أجزاء الجسم .
ما هي أهم الخصائص المميزة للحقائق العلمية :
من أهم الخصائص المميزة للحقائق العلمية ما يلي :
·       يتوصل إليها الإنسان عن طريق الملاحظة المباشرة أو باستخدام الأجهزة المساعدة .
·       إنها نتاج علمي مجزأ لا يتضمن التعميم وبنفس الوقت قابلة للتغيير على ضوء الأدلة والبراهين العلمية الجديدة .
·       تعتبر الوحدات التركيبية لبناء المفاهيم والمبادئ العلمية الأخرى .
·       يمكن تكرار ملاحظتها وبالتالي التأكد من صحتها عن طريق القياس أو الملاحظة أو التجريب العلمي .
ما هي البيانات ؟
البيانات هي نوع من الحقائق العلمية التي تتصف بكونها حقائق كمية أي أنها تختص بوصف الظواهر أو الأحداث وصفا كميا وغالبا ما يستخدم في هذا الوصف أدوات القياس العلمي .
ومن أمثلة البيانات :
·       معامل التمدد الطولي للحديد 0,000012 سم .
·       كثافة النحاس 8,9جم|سم3.
·       ينصهر شمع البرافين عند 52 م .
ثانيا :المفاهيم :
يعتبر المفهوم العلمي المستوى الثاني من مستويات المعرفة العلمية ,وهو يقوم أو يبنى على عديد من الحقائق ,ويمكن تعريف المفهوم بأنه تصور عقلي أو تجريد للصفات المشتركة بين مجموعة من الأشياء أو المواد أو الظواهر وعادة ما يعطى هذا المفهوم اسما أو كلمة ,ومعنى المفهوم ليس هو هذه الكلمة ولكن دلالتها عندنا .
ولكي نتعرف على هذا التعريف للمفهوم لابد وان نبين كيف ينشأ المفهوم من مجموعة من الحقائق ,لنرى على سبيل المثال علاقة درجة الحرارة بالمادة في الحقائق التالية :
·       يزداد طول ساق من الحديد عند ارتفاع درجة حرارته .
·       يزداد طول ساق من النحاس عند ارتفاع درجة حرارته .
·       يزداد طول ساق من الالومنيوم عند ارتفاع درجة حرارته .
ومن هذه الحقائق الثلاث نلاحظ أن ارتفاع درجة حرارة الساق أدى إلى ازدياد طول المادة ,وهذا يسميه العلماء التمدد الطولي . ومفهوم التمدد الطولي يعني "ازدياد طول المادة عند ارتفاع درجة حرارتها " وقد نشأ هذا المفهوم من إدراكنا لظاهرة التمدد في أكثر من مادة أي ملاحظة الظاهرة كخاصية مشتركة في مواد مختلفة .
ولعلك لاحظت أن المفهوم يتكون من جزءين هما :
أ – اسم المفهوم : وهو كلمة أو مصطلح تم التعارف عليه وهو في المثال السابق "التمدد الطولي " .
ب – تعريف المفهوم أو المصطلح بعبارات أو كلمات وهو ما يعرف بالدلالة اللفظية لاسم المفهوم أو مضمون الكلمة ومعناها كما جاء في المثال السابق  " ازدياد طول المادة بارتفاع درجة حرارتها " .
 مثال / المادة : هي كل ماله حيز ويشغل جزءا من الفراغ (فالعنصر المشترك هنا هو الوزن وشغل حيز من الفراغ ) .
كما يعرف المفهوم العلمي ,على اختلاف الباحثين فيه ,على انه : ما يتكون لدى الفرد من معنى وفهم يرتبط بكلمة (مصطلح ) أو عبارة معينة (مثل : الثدييات : هي حيوانات ذات أثداء جسمها مغطى بالشعر ).
ومن أمثلة المفاهيم العلمية : التنفس ,الهضم  , الخلية , الايون , .....الخ .
ما أهمية تدريس المفاهيم العلمية ؟
·       أكثر ثباتا واستقرارا من الحقائق العلمية الجزئية .
·       تسهل دراسة البيئة .
·       لازمة لتكوين المبادئ والقوانين والقواعد والنظريات العلمية .
·       لها علاقة كبيرة بحياة التلميذ أكثر من الحقائق العلمية المتناثرة ,فضلاً عن أنها تساعده باستخدام وظائف العلم الأساسية ثم التفسير والتنبؤ والتحكم .
·       تنمي التفكير العلمي .
·       تساعد على التعليم الذاتي والتربية العلمية مدى الحياة .
·       تعتبر عنصرا أساسيا في بناء المناهج العلمية .
·       أسهل تذكراً من الحقائق العلمية .   
ما هي خصائص المفاهيم العلمية ؟       
·       يتكون المفهوم العلمي من جزئين : الاسم أو الرمز أو المصطلح (مثال : الكثافة ,الخلية , الحامض ......الخ ) ,والدلالة اللفظية للمفهوم مثال : الايون هو: ذرة أو مجموعة ذرات تحمل شحنة كهربائية .
·       يتضمن المفهوم العلمي التعميم مثال : المادة هي كل شيء يشغل حيزا وله ثقل ويمكن إدراكه بالحواس .
·       لكل مفهوم علمي مجموعة من الخصائص التي يشترك فيها جميع أفراد فئة المفهوم وتميزه عن غيره من المفاهيم العلمية الأخرى (مثال : الطيور : أجسامها مغطاة بالريش )؛ولها خصائص أخرى متغيره أو ثانوية كما في اختلاف الطيور في خصائص :المناقير ,الأرجل والرقبة ...الخ ) وعمليا تتكون المفاهيم من خلال عمليات ثلاث هي :التمييز ,والتنظيم (التصنيف ) والتعميم .
·       تكوين المفاهيم العلمية ونموها عملية مستمرة تتدرج في الصعوبة من صف إلى صف ومن مرحلة إلى مرحلة تعليمية أخرى ,وذلك نتيجة لنمو المعرفة العلمية نفسها ولنضج الفرد (الطالب ) بيولوجيا وعقليا وازدياد خبراته التعليمية . مثال : مفهوم الحمض يعني عند تلميذ المرحلة الابتدائية مادة ذات طعم حمضي لاذع وعند تلميذ المرحلة المتوسطة الحمض هو مادة تحمر ورقة عباد الشمس الزرقاء بينما يعني الحمض عند تلميذ المرحلة الثانوية مادة لابد وان تحتوي على الهيدروجين وان الخواص الكيميائية للحمض تنتج من تأين ذلك الهيدروجين أثناء التفاعل وهكذا . وكذلك مفهوم التنفس يعني لدى تلميذ المراحل الأولى دخول الأكسجين وخروج ثاني أكسيد الكربون بينما يعني في المراحل المتقدمة أكسدة الدم وتحمله بالأكسجين وقد يتطور ليصل إلى مرحلة أكثر تقدما عندما يدرسه الطالب على انه أكسدة السكر في الخلايا وإطلاق الطاقة . وباختصار تنمو المفاهيم العلمية وتتطور حسب التسلسل التالي :
أ – من الغموض إلى الوضوح .
ب – من مفهوم غير دقيق علميا إلى مفهوم دقيق علميا .
ج – من المفهوم المحسوس إلى المفهوم المجرد .
 
ثالثا : المبادئ (أو التعميمات ) والقواعد العلمية    
المبدأ هو جملة صحيحة علميا له صفة الشمول وإمكانية التطبيق على مجتمع الأشياء أو الأحداث أو الظواهر التي ترتبط بها هذه المبادئ (التعميمات ) العلمية .
أمثلة على المبادئ (التعميمات )العلمية :
·       الحوامض تحول ورقة عباد الشمس من الزرقة إلى الحمرة .
·        الثدييات حيوانات لها أثداء وجسمها مغطى بالشعر .
·       الفلزات جيدة التوصيل للحرارة .
·       المعادن تتمدد بالحرارة .
·       كل الكائنات الحية تتنفس .
·       تتكاثر الأسماك عن طريق البيض .
·        كل النباتات الخضراء تقوم بعملية البناء الضوئي .
   وتعلم المبادئ العلمية هدف رئيس من أهداف تدريس العلوم ؛إذ المبدأ اشمل من المفهوم , ويتوقع أن تتوسع مدارك المتعلم عن إدراكه بعض المبادئ العلمية ؛إذ لا يمكن التوصل إلى المبادئ العلمية قبل إدراك بعض الحقائق والمفاهيم العلمية .
ما هي خصائص المبادئ (التعميمات )العلمية :
·       عبارة لفظية صحيحة علميا تتضمن الحقيقة العلمية ؛وهذا يعني أن المبدأ العلمي (التعميم ) صحيح علميا لكنة ليس حقيقة علمية (مجزأة وخاصة )بشيء أو حادث ما .
·       المبدأ العلمي له تطبيق واسع ,بمعنى انه يوضح علاقة لها صفة الشمول والتعميم على مجتمع الأشياء أو الظواهر التي يتضمنها المبدأ العلمي ,وبالتالي يوضح صورة متكررة في أكثر من موقف أو حالة .
·       المبدأ العلمي ليس مفهوما أو تعريفاً , ولو انه يتضمن مفهوما علميا واحدا أو أكثر .
وتصاغ المبادئ أو التعميمات عادة بطريقة وصفية , ولكن إذا تمت صياغتها بطريقة كمية فإنها تسمى عندئذ قاعدة مثل قاعدة ارخميدس التي تنص على انه " إذا غمر جسم في سائل فانه يلاقي دفعا من أسفل إلى أعلى يساوي وزن السائل المزاح " فقد وصفت في شطرها الأول بطريقة كيفية اثر دفع السائل على الجسم المغمور إلا أن الشطر الثاني قد حدد بطريقة كمية مقدار هذا الدفع وتسمى مثل هذه العبارات بالقواعد . وتعد القواعد العلمية أعلى درجة من المبادئ العلمية نظرا لما تحمله من تحديد دقيق لطبيعة العلاقة بين أجزاء القاعدة كالعلاقة بين الجسم المغمور والسائل المزاح .
رابعا : القوانين العلمية
يعتبر القانون درجة من درجات التعميم التي تتشابه إلى حد كبير مع المبدأ والقاعدة , فالقانون يصف علاقة عامة أو صورة متكررة في أكثر من موقف ويكون هذا الوصف مصاغا بطريقة كمية كما يحدث في القاعدة ,إلا أن القانون يتميز بتحديد هذا الوصف في صورة علاقة رياضية .
مثال :
ض =      ق ÷ م
        
حيث   : (ض ) الضغط يمثل العلاقة بين القوة التي تؤثر على وحدة المساحة ؛فكلما زادت المساحة قل الضغط وكلما زادت القوة زاد الضغط فبذلك يكون هناك علاقة كمية
مثال :  قانون العلاقة بين الكثافة والكتلة والحجم :
ث=    ك  ÷ ح
ما هي خصائص القوانين العلمية ؟
·       عبارة لفظية صحيحة علميا تتضمن التعميم .
·       عبارة علاقة بين مفهومين أو أكثر (متغيرين أو أكثر ) يمكن التعبير عنها بصورة رمزية
·       ثابت لمدة طويلة جدا (نسبيا ) ؛فالقانون العلمي حتى يصبح قانونا علميا يمر عبر دراسات وتجارب بحثية واختبارات طويلة جدا , ولهذا يوصف بالثبات النسبي .
·       عبارة أو علاقة يمكن صياغتها والتعبير عنها بصورة كمية (رقمية )
خامسا :النظريات العلمية
النظرية العلمية هي " مجموعة من التصورات الذهنية الفرضية التي تتكامل في نظام معين يوضح العلاقة بين مجموعة كبيرة من المبادئ والمفاهيم والقوانين والقواعد العلمية .
وتساعد النظرية العلمية في ربط الحقائق المختلفة في مجال ما في نسق يسمح بتفسير بعض الظواهر وفي التنبؤ أيضا ببعض المشاهدات أو الأحداث .
أمثلة على النظريات العلمية :
·       النظرية الذرية
·       النظرية الجزيئية لتركيب المادة .
·       نظرية الحركة للغازات .
·       نظرية الخلية .
ما هي خصائص النظرية العلمية ؟
1-مجموعه من التصورات الذهنية (العقلية) تتكامل في نظام معين يوضح العلاقة بين مجموعة من المبادئ والتعميمات العلمية أو العلاقات أو المتغيرات والظواهر .
2- مجموعه تصورات ذهنيه وتكوينات فرضيه تفسر ظاهره ما أو (ظواهر) ، وتتسم بالشمول الواسع وتحتاج غالبا إلى التجربة والإثبات.
3- أفكار وتصورات علميه لها ما يدل على صحتها  بينما جوانب أخرى منها لا تزال غير مثبته وبالتالي فإن قسما من بنودها أو تعميماتها بحاجه إلى إثبات.
4- أفكار وتصورات علميه لم يجمع عليها العلماء بعد .أوسع شمولا من المبادئ والتعميمات العلمية ،إلا أنها اقل ثباتا ولهذا تعدل النظرية أو ترفض في ضوء الأدلة والبراهين العلمية الجديدة .
5- تكوينات فرضيه تؤيدها بعض المشاهدات والتجارب على نطاق واسع ،ولها القدرة على تفسير مجموعه من الظواهر أو الأحداث الطبيعية منها أو البيولوجية
6- النظريات العلمية صالحه للعمل بها مادام أنها ناجحة في تفسير المشاهدات والملاحظات جميعها التي تدخل في نطاقها ؛ أما إذا ظهر جديد يتناقض معها فإما تعدل بحيث تصبح ملائمة، أو ترفض كلية إذا كانت النظرية غير قابله للتعديل . وهكذا كلما ازدادت قدره النظرية على تفسير مجموعه كبيرة من الظواهر والأحداث زادت أهميتها وأدى ذلك إلى قبولها من جانب العلماء .
7- إذا كانت النظرية العلمية في صورة مجرده فقد يلجأ صاحب (عالم) النظرية إلى تشبيهها ببعض الأشياء المادية المحسوسة وذلك تسهيلا وتيسيرا لفهمها ودراستها واستيعابها .